Get Even More Visitors To Your Blog, Upgrade To A Business Listing >>

صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير

 


هل ثملتَ بمسلسلٍ أو برنامج تليفزيوني من قبل؟

إن للفنّ ما ليس لغيره في صوغ ثقافة المجتمعات ورؤيتها للحياة وللتاريخ.

وصُناع الدراما والبرامج التليفزيونية يتقنون التسلل إلى شقوق الذكريات.

في زوايا الذاكرة أعمالٌ درامية وبرامج تليفزيونية نابضة بالحياة، في تفاصيلها ذلك الصراخ الناعم، مثل هذيان النحل. مسلسلات وسهرات تليفزيونية تتسلل نساؤها إلى شقوق روحك، أما رجالها فهم غابة ضلت طريقها إلى شوارع المدينة.

الدراما فرصةٌ سانحة لتعلُّم فنون ملاحقة الشكوك، وارتداء معطف المحقق، والاستسلام لفتنة الغرام وطقوس السحر والغموض.

في الحلقات، نتقاسم الجنة والخبز والأسى، وفي الفواصل الإعلانية يرقد زمنٌ خائن. مع الأبطال، نعيش صمتًا كاسرًا في ليالٍ دون بوصلة، ونشهق لرؤية ثعابين صغيرة تعبث في سلة الشهوة.

هنا نستعيد الدراما التليفزيونية بكامل ألقها وفتنتها، ونلتقط تفاصيل ثرية من هذه الصناعة التي ألهمتنا وصاغت جزءًا لا يستهان به من أفكارنا ومشاعرنا ورؤانا على امتداد عقود.

الأكيد أن الرسائل غير المباشرة التي تنطوي عليها الأعمال الفنية والدرامية بصفة عامة، تكون أكثر تأثيرًا من مسألة التلقين والنصح، لدرجة أن المتلقي قد يُصدِّق الدراما ويعتبرها تاريخًا حقيقيًا، ويخلط بين الدور وشخصية الممثل، حُبًّا أو كراهية.

وفي الأعمال التليفزيونية المختلفة، يكون المقياس الأهم هو مدى تحقق المُتعة في الفن أيًّا كانت رهاناته الجمالية، لكنها يُمكن أيضًا أن تكون رهانًا في حدّ ذاتها!

منذ وضع الإغريق معمار الدراما كانت البطولة للعبة الاستعارة.. أن تستعير حكاية وشخصيات وتُعيد ترتيبهم في فضاء مُخطَّط مُسبقًا، ورغم قرون التطوّر فإن عناصر الصنعة لم تتغيّر: الفكرة والحبكة والشخوص والحوار. كلمة دراما نفسها تعنى «فِعل»، وكان من دلالاتها اعتماد المفارقة أو النقلات الحدثية الكاشفة.

ومع تعدد أشكال الأعمال التليفزيونية، فإن أجملها وأكثرها إمتاعًا هو ما يقدِّم دراما مُستوفية الشروط، تُخاطب طبقات مُتعدّدة من المُتلقّين وفق تقنيات بصرية وخطابية تُراعي تفاوت السياقات الاجتماعية والمعرفية والجمالية للجمهور المُستهدف.

ومن المهم التوقف عند ظاهرة صارت تتأكد عامًا بعد آخر، وهي أن هناك أعمالًا أصبحت تُنسب أكثر إلى أسماء المخرجين والكتاب، وهذا شيء إيجابي وهو الأصل في صناعة الدراما، بمعنى أن ينسب العمل لكاتبه أو مخرجه، وليس إلى النجم، فنقول مثلًا «مسلسل أسامة أنور عكاشة»، أو محمد جلال عبد القوي، أو محمد سليمان عبد الملك، أو عبد الرحيم كمال، أو «مسلسل إسماعيل عبد الحافظ»، أو إبراهيم الصحن، أو يحيى العلمي، أو إنعام محمد علي، أو محمد ياسين. ليس ذلك فقط بل إن هناك أسماء على مستوى الفنيين وصناع الصورة والموسيقي أصبحت مرادفًا للأعمال الجيدة. مثلًا في الصورة: محمد مختار، وإسلام عبد السميع، وعبد السلام موسى، وحسين عسر، وهيثم حسني، ومحمود يوسف. وفي الموسيقى: هشام نزيه، وخالد الكمار، وليال وطفة، وتامر كروان.

إنه الارتباط الشرطي بين المبدع وجودة المستوى في العمل الدرامي، وهو أمرٌ له مدلوله الإيجابي.

في المقابل، لم نغفل أهمية الأشكال والقوالب البرامج التليفزيونية الأخرى؛ لأنها جزء لا يتجزأ من المحتوى التليفزيوني الذي يتم ضخه للمشاهدين على اختلاف أعمارهم وفئاتهم وطبقاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم.

إن هذا المحتوى التليفزيوني يستحق التفاتة منا وقراءة أعمق، لما له من تأثير يصعب إنكاره. ويكفي أن نشير -على سبيل المثال لا الحصر- إلى أن دراسات كثيرة أظهرت على مدى سنوات طويلة، قدرة البرامج التليفزيونية التعليمية على ترسيخ المعلومات في عقول الأطفال، وقد تتفوق في ذلك على قدرة المدرسين والمدرسات؛ إذ يمكنها أن تقدّم للأطفال خبرات القراءة والكتابة والحساب. ومن الجلي أن البرامج التليفزيونية تستطيع تقديم مهارات تتخطى حدود القراءة والكتابة عند الأطفال. بل إن بعض البرامج التليفزيونية التعليمية، خصوصًا تلك التي يستخدم أبطالها حلولًا تقنية، كالخرائط والمواقع المعلوماتية، تستطيع تعليم الأطفال خبرات رقمية، وتزويدهم بكيفية استخدامها. ويمكن من خلال هذه البرامج بناء مهارات معلوماتية وتكنولوجية مبكرة لدى الأطفال، وتجعلهم جديرين أكثر بالوظائف المستقبلية، وترفع نسبة جاهزيتهم لها.

التليفزيون صندوق عجائب. وقد حان وقت فتح هذا الصندوق.

أتمنى لكم قراءة مفيدة وممتعة.

-----------

من مقدمة كتابي

"صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير"، دار المحرر، القاهرة، 2023







This post first appeared on قبل الطوفان, please read the originial post: here

Share the post

صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير

×

Subscribe to قبل الطوفان

Get updates delivered right to your inbox!

Thank you for your subscription

×