Get Even More Visitors To Your Blog, Upgrade To A Business Listing >>

أنّا كارنينا

أنّا كارنينا

أنّا كارنينا



أنّا كارنينا»، هذه الرواية الفاتنة لتولستوى، روعتها لا تكمن – من وجهة نظرى- فى حبكتها المسلية، وإنما لقدرتها العبقرية فى النفاذ إلى طبيعة العلاقة الأبدية بين الذكر والأنثى.
■ ■ ■
فـ«أنّا كارنينا»، هذه الحسناء الفاتنة، ذات العينين اللامعتين والأهداب السوداء الكثيفة، والابتسامة الخفيفة التى ترف على شفتيها الحمراوين، والوجه الذى يشع نورا، لم تكن فى الحقيقة أكثر من زوجة تعيسة، لا تشعر بأى وهج فى علاقتها مع زوجها البارد المنطفئ، الذى يكبرها بأعوام كثيرة. ولم يكن هناك سوى طفلها، الوحيد الذى يربطها بالعالم.
أما «فرونسكى»، ذلك الضابط الشاب الوسيم، والذى التقاها- بمحض الصدفة- فى محطة القطار، بعد أن جاء لاستقبال أمه. وتصادف أيضا أن هذه الحسناء أسرتها بعذوبة حديثها، واللطف المطبوع فيها. لحظتها بدأت التعارف: انبثت «أنّا» من العدم، ليكتمل حضورها دفعة واحدة لفرونسكى، الذى اهتز من روعة طلّتها. أما «أنّا» فهى لم تكد تلتفت إلى وجوده أصلا.
■ ■ ■
يا لتولستوى من روائى حكيم سبر أغوار النفس البشرية، وفهم طبائع الذكر والأنثى، والمطاردة الأبدية، منذ أن خلق الله الإنسان، وأودعه غرائزه. فى البدء ينتبه الذكر إلى الأنثى، فيقع أسير جاذبيتها، ويقسم أنه أحبها من أول نظرة. بعدها تبدأ المطاردة الغرامية. غرائز «الصيّاد» الذى أودعها الله فى فطرة الرجل. تستحوذ المرأة على خياله، فتلون حياته بعد أن كانت بالأبيض والأسود، وتصبح سعادته- بل المعنى الوحيد لحياته- فى رؤيتها.
تبدأ الأنثى فى الملاحظة، بتلك الحاسة الرهيفة التى أودعها الخالق فى فطرتها، تجعلها تنتبه لمغزى نظرات الذكر. تنكمش الأنثى. تتراجع. تشعر بالخوف والهيبة. لكن الملاحقة تركت فيها أثرا لا يمكن إنكاره.
تحتاج المرأة وقتا حتى تنضج مشاعرها. نادرا ما تعرف الحب الصاعق الذى يتولد من أول نظرة. تحتاج إلى وقت وفهم وشعور بالأمان. يندفع الذكر مستجيبا لغرائزه الملتهبة. تفكر الأنثى فى رقة: «معقول إنه يحبنى لهذه الدرجة؟».
تلين بالتدريج. تزداد مساحة الوقت الذى تفكر فيه. تبدأ فى انتظاره وترقب الخطوة المقبلة. ثم يحدث شىء ما يجعل السد الأنثوى ينهار فى لحظة. الموج المتدافع خلف السد العالى يتدفق فجأة. يحطم الجسور والكبارى ويكسر السدود ويفيض على حافة النهر فيغمرها. ينحسر الماء فى رقة، لا ليجف المجرى، وإنما لينبت الزهور والرياحين والأشجار المثمرة والعشب والأخضر. تصبح الأنثى عاشقة مستجيبة. وقتها يتبدل حالها تماما. يتحول اتجاهها مائة وثمانين درجة. هذه الراجفة الفزعة المنسحبة تمتلك جسارة العاشقات وتصبح قادرة على تحدى العالم بأكمله. تقوم بتضحيات تدهش الذكر من جسامتها ومبلغ عمقها.
أخيرا استجابت «أنّا كارنينا» لمطاردة «فرونسكى». تركت ولدها المحبوب وبيتها الأنيق وحياتها الاجتماعية بالكامل. أصبحت مجرد عشيقة لضابط شاب، ضحت بحياتها كلها من أجل أن تكون بجوار الرجل الذى أحبته.
■ ■ ■
لكن المأساة الحقيقية تبدأ بعدها. مرة أخرى تتدخل الغرائز الدفينة فى الذكر. الوهج الذى شعر به «فرونسكى» حين استسلمت له «أنّا» ونال رحيقها لأول مرة! السعادة الخرافية التى لم تُخلق اللغة البشرية كى تصفها، صارت تخبو بالتدريج. «أنّا» لا تفهم ماذا حدث له؟ لماذا خبا وهجه؟ لماذا خفت شغفه؟ لماذا صار يفضل لقاء أصدقائه عن المكوث معها؟ «أنّا» تتساءل فى رعب: «هل كف عن حبى؟».
■ ■ ■
النهاية منطقية. «أنّا» فقدت كل ما يربطها بالحياة. فقدت ابنها وحياتها الاجتماعية واحترام المجتمع. ثم فقدت أيضا شغف الرجل الذى ضحت من أجله بكامل حياتها! لذلك لم يكن غريبا أن تلقى بنفسها تحت عجلات القطار الذى كان بداية تعارفهما.






د. أيمن الجندى

المصدر: منتديات شات العنابي - من قسم: منتدى القصص والروايات


Hk~h ;hvkdkh



This post first appeared on , please read the originial post: here

Share the post

أنّا كارنينا

×

Subscribe to

Get updates delivered right to your inbox!

Thank you for your subscription

×